ما الفرق بين أنماط الحياة المختلفة؟
هناك حرب عالمية تدور في داخلي!
هناك حرب عالمية مشتعلة في داخل كل واحد منا
حرب بين جانبين يختلفان كليًا، وكأن الفرق بينهما كالفرق بين السماء والأرض، وكلٌّ منهما يحاول جذب انتباهنا وفرض طريقته علينا.
لكن هل يهم فعلًا أي طريق نختار؟
هل فكرت يومًا كيف تريد أن يراك الآخرون؟
ماذا تحب أن يخطر ببالهم عندما يتذكّرونك؟
هل هو شكلك، طولك، درجاتك، سيارة والديك، مساحة منزلك، أو ماركة هاتفك؟
أم تفضّل أن يتم الحكم عليك بناءً على ذاتك الحقيقية، بعيدًا عن كل هذه الأمور؟
تلك الذات التي تُعبر عن حقيقتك الأصلية، والتي لا ترتبط بأيٍّ من هذه المظاهر.
في الحقيقة، كل هذه الاختلافات تعود إلى نقطة أساسية: كيف ننظر إلى الآخرين بشكل عام؟
ما هو نمط حياتنا؟
هل يهمنا جوهر الإنسان وفطرته، أم أننا نقيمه فقط من منظور مادي سطحي؟
عندما خلق الله أول إنسان، نفخ فيه من روحه، وهذا يعني أن جزءًا من روح الله موجود في كل واحد منا، وهو ما نُطلق عليه اسم “الفطرة” أو “الذات الحقيقية”. ولهذا السبب نجد في أنفسنا القدرة على السعي نحو الأفضل، بل والرغبة في ذلك أيضًا.
أتَدرون، أن الفطرة هي ميزة خاصة بالبشر فقط! صحيح أن لدينا بعض الصفات الطبيعية التي نتشاركها مع الحيوانات والنباتات، لكن باقي المخلوقات لا يمكنها امتلاك الفطرة مثلنا أبدًا. وهذا ما يجعلنا مميزين وفريدين بين جميع الكائنات.
لكن الأمر ليس بهذه البساطة!
بين الفطرة والطبيعة في داخلنا، هناك صراع دائم وكامل، كلٌّ منهما يريد أن يكون هو المسيطر على وجودنا!
ونحن، بحسب ما نميل إليه أكثر، إلى فطرتنا أو إلى طبيعتنا، ننقسم إلى فئتين من الناس:
- أصحاب الفطرة
- أصحاب الطبيعة، ويُطلَق على بعضهم أيضًا اسم “الماديّين”
هذان النَّوعان من أنماط الحياة، كلٌّ منهما يعرّفنا بطريقته الخاصة؛ أي أن نظرتنا للحياة، واحتياجاتنا، وأهدافنا، وأمانينا تختلف بحسب كلّ نمط منهما.
هذه الرؤية تؤثر على أشياء كثيرة، وتُغيّر العديد من المفاهيم لدينا. قد تجعلنا أكثر حساسية تجاه بعض الأمور، أو تدفعنا إلى تجاهل أشياء مهمة في حياتنا تمامًا. لذلك، علينا أن ننتبه جيدًا إلى أي فئة ننتمي!

حتى صديقنا سعید قد شعر بهذا الأمر عندما قرر ألا يفوّت حفلة المدرسة، مهما كان الثّمن، وكما قال بنفسه: “أنا شخصان!”
الفرق بين أصحاب الفطرة وأصحاب الطبيعة
لنوضّح الفرق بين هذين النمطين من الحياة من خلال بعض الأمثلة…
ما هي الحياة؟
أصحاب الطبيعة يعتقدون أن كل شيء ينتهي بالموت، ولا يبقى منا شيء بعده، ولذلك يكرّسون كل جهدهم للحياة الدنيوية وأعمالها.
وبما أن الحياة بالنسبة لهم مجرد أيام معدودة، فإن اللذات المادية تصبح أهم أولوياتهم، ونادرًا ما يفكرون في مستقبلهم البعيد. بمعنى آخر، هم يرون أن عدم امتلاكهم لأفضل الأشياء يعني أنهم خسروا حياتهم بالكامل، ولهذا فهم مستعدون لفعل أي شيء لتحقيق رغباتهم.
أما أصحاب الفطرة، فيرون أن الحياة أبدية ولا تنتهي بالموت؛ بل على العكس، الحياة الحقيقية تبدأ بعد الموت. فهم يؤمنون بأن ذاتهم الحقيقية لا تموت أبدًا، بل تنتقل من حالة إلى أخرى ومن مكان إلى آخر. وبناءً على هذا الفهم، تختلف أفكارهم وسلوكياتهم واختياراتهم جذريًا عن الماديين، وقد تبدو قراراتهم غريبة وغير مفهومة بالنسبة لمن ينظر إلى الحياة من منظور مادي بحت.
من نحن؟
بالنسبة لأصحاب الطبيعة، كل شيء يتمحور حول الجسد، ولهذا تعتمد سعادتهم وراحتهم على تلبية رغباته.
فهم يعتقدون أن كل ما يتعلق بجنس الإنسان، طعامه، ملابسه، مسكنه، ومهنته يجب أن يكون متوفرًا ليشعر بالسرور والسکینة.
وبذلك، تصبح أغلب أهدافهم وأحلامهم محصورة في إشباع الاحتياجات الجسدية والحيوانية. حتى عندما يساعدون الآخرين، أو يتعلمون علمًا جديدًا، أو يخترعون شيئًا مفيدًا، فإن دوافعهم النهائية غالبًا ما تكون مادية بحتة.
في الحقيقة، هم ينظرون إلى أي عمل على أساس: “ما الذي سأحصل عليه في النهاية؟”
ولهذا السبب، حتى الأعمال الإنسانية لديهم تكون مشروطة بالمكافآت، فمثلًا يقولون: “إذا شاركتم في الأعمال الخيرية، فستحصلون على إعفاءات ضريبية!”
أما أصحاب الفطرة، فهم يرون أننا أكبر من مجرد تصنيفات مثل رجل وامرأة، أستاذ وتلميذ، وغير ذلك.
إنهم يدركون أن الجسد ليس هو الغاية بحد ذاته، بل مجرد وسيلة للوصول إلى أهدافنا السامية واللانهائية. لذلك، لا يجعلونه مركز اهتمامهم الرئيسي.
هم أيضًا يستمتعون بالحياة، يلعبون، يسافرون، ويحبون التسوّق، لكنهم لا يسمحون لهذه الأمور بأن تصبح هدف حياتهم.
فهم يركزون على أهداف أكبر وأسمى، وليس على الأشياء الصغيرة والعابرة في الدنيا!
هل تعرف الفرق؟ إنه مثل أن تلعب لعبة لتستمتع بها، أو أن تلعب فقط لتحقيق أعلى النقاط دون الاستمتاع الحقيقي بها!
لقد قمنا بشرح هذه الاختلافات بمزيد من التفصيل في هذا العدد من مجلة مجرة النفس:
هل نحن محدودون أم أبديون؟
جميعنا، قبل أن نأتي إلى هذه الدنيا، ذقنا طَعم اللانهاية؛ فبغضّ النظر عن كوننا من أهل الفطرة أو من الماديين، كلّنا جئنا من نفس المصدر. ولهذا، وبصرف النظر عن من نكون أو ماذا نكون، نحن نبحث عن تلك اللانهاية التي جئنا منها؛ لكن الفرق فقط في المكان الذي نبحث فيه عنها.
الماديّون لديهم أيضًا ميل فطري نحو اللانهاية، لكنهم يربطونه فقط بالاحتياجات المادية.
فهم يسعون إلى المزيد من المال، والسلطة، والعمر الطويل، واللذات التي لا تنتهي، وكأنهم في سباق لا ينتهي من هدف دنيوي إلى آخر.
ولكن، بما أن العالم المادي محدود، لا يستطيعون تحقيق رغبتهم الكاملة في اللانهاية، فيشعرون بالإحباط والقلق الدائم.
أما أصحاب الفطرة، فهم يدركون أن رغبتهم في اللانهاية لا يمكن أن تكون مادية، لأن المادة ذاتها محدودة.
لذا، يبحثون عن ما هو غير مادي، عن المصدر الذي جاؤوا منه أساسًا. ولذلك، لا يضيعون وقتهم في البحث عن اللانهاية في الدنيا، بل يسعون إلى أشياء تتّسم باللانهاية الحقيقية، مثل القرب من الله.
وهكذا، يصلون فعلًا إلى اللانهاية ويجدون السلام الداخلي الحقيقي. بكل بساطة!
من هو السعيد؟
بسبب كل هذه الاختلافات التي ذكرناها، حتى مفهوم السعادة يختلف بين أصحاب الطبيعة وأصحاب الفطرة.
فالماديّون يعتقدون أن السعادة، والسرور، والسكينة تكمن في تحقيق الرغبات المادية؛ أي كلما امتلكتَ مالًا أكثر، كنتَ أجمل، وحظيت بالقوة والشهرة، وتوفرت لك أفضل الإمكانيات، وكنتَ بالتالي أكثر سعادة.
أما أصحاب الفطرة، فيرون أن السعادة الحقيقية تعني الوصول إلى سرور وسكينة دائمة، أي أن تكون لذّاتهم أبدية وغير زائلة. وهذا لا يتحقق إلا بالقرب من مصدر السعادة الحقيقي، وهو الله؛ فهو الذي يملك كل شيء، وأفضل شيء.
أين تجد نفسك؟
هل أنت مثل أصحاب الفطرة، تبحث عن السرور الحقيقي والسعادة الدائمة، وتسعى لأن تكون لذّاتك أبدية؟
أم أنك مثل أصحاب الطبيعة، ترى السعادة في المتعة المادية المؤقتة، وتحصر قيمة الإنسان في رغباته الدنيوية المحدودة؟